العلاقات الدولية- مصالح متغيرة وصراعات مدمرة.

المؤلف: محمد مفتي09.17.2025
العلاقات الدولية- مصالح متغيرة وصراعات مدمرة.

ممّا لا شك فيه أن جميع دول العالم تتأثر بمحيطها الإقليمي والدولي، سواء على مستوى الدول المجاورة أو حتى تلك التي تبعد عنها آلاف الأميال. وتقوم العلاقات بين الدول على دعائم متعددة، أبرزها الروابط السياسية، كانتماء الدول لتحالفات دولية معينة، أو العلاقات الاقتصادية والتجارية، أو التعاون العسكري والأمني. ومع ذلك، فإن هذه الروابط ليست ثابتة ومستقرة، بل تتأثر بالمصالح المتبادلة التي تظهر وتتلاشى تبعًا للظروف، أو نتيجة لاختلاف الرؤى والسياسات بين الدول. إن السياسة الخارجية للدولة وعلاقاتها مع الدول الأخرى ليست مسألة هامشية أو بسيطة، فبعض الدول تحافظ على علاقات رسمية باردة مع دول أخرى، تقتصر على العضوية المشتركة في بعض المنظمات الدولية وتبادل السفراء. بينما العلاقات القوية والمتينة بين الدول تعتمد غالبًا على الشراكات الاقتصادية والاستثمارات المشتركة، أو التبادل التعليمي والثقافي، أو التعاون العسكري والاستراتيجي، وكل ما يخدم مصالح الطرفين. وغالبًا ما تسعى الدول إلى تعزيز مكانتها وسمعتها على الصعيد الدولي، فالدول ذات النفوذ السياسي والاقتصادي لا تفضل إقامة علاقات وثيقة مع الدول التي تتميز أنظمتها السياسية بالعدوانية والتهور وعدم الاستقرار. تميل بعض الأنظمة السياسية في بعض الدول إلى الانعزال والانغلاق على نفسها، وتتسم علاقاتها الخارجية بالجمود والركود. في المقابل، أدت علاقات بعض الدول بدول أخرى إلى انهيارها وتدميرها، كما حدث في العلاقة التي جمعت بين إيطاليا بقيادة موسوليني وألمانيا بقيادة هتلر. ومع ذلك، فإن آثار الحرب العالمية الثانية المدمرة طالت الشعوب الألمانية والإيطالية أكثر مما أثرت على سقوط الأنظمة الحاكمة في كلا البلدين. في ظل الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط، نشهد العديد من التناقضات السياسية والصراعات المتصاعدة. فالصراع في غزة، الذي اندلع نتيجة لأحداث السابع من أكتوبر، أدى إلى تفاقم الأوضاع المتردية لنظام بشار الأسد الهش منذ عام 2011، وساهم في إضعاف نفوذ كل من حزب الله وحماس. ولكن الأمر الأكثر إيلامًا هو أن شعوب سوريا ولبنان وفلسطين في غزة والضفة الغربية هم الذين يدفعون ثمن هذه الحروب والصراعات. يرى البعض أن النزاعات السياسية تستحق المخاطرة في بعض الأحيان، حتى لو انتهت بالخسارة. ولكن الخسارة لا تقتصر على تدمير البنية التحتية فحسب، بل تشمل أيضًا قتل وتشريد الأبرياء، وانتشار الأمراض والأوبئة. إن حجم القذائف والمتفجرات التي ألقيت على قطاع غزة، والتي تسببت في تدمير الأراضي الزراعية وتلويث مصادر المياه، كاف لنشر أمراض خطيرة ومستعصية. فعلى سبيل المثال، أدى استنشاق الهواء الملوث الناتج عن الحرب الإسرائيلية في غزة إلى انتشار العديد من الأمراض الصدرية والتنفسية، وهو ما أكده بوضوح أطباء القطاع. يجب أن يرتكز مفهوم المقاومة على استراتيجية واضحة ومحددة، تهدف إلى تجنب إلحاق الأذى بالشعب. فالقائد التاريخي الليبي عمر المختار، الذي قاد المقاومة ضد الاحتلال الإيطالي، كان يعلم تمامًا أن الآلة العسكرية الإيطالية تتفوق على ما يمتلكه من إمكانيات، لكنه كان حريصًا على تجنب المواجهات المباشرة داخل المدن، ويلجأ إلى المقاومة بعيدًا عنها. كان لديه استراتيجية عسكرية تعتمد على أسلوب الكر والفر، وتتلخص في أن المعارك يجب ألا تؤدي إلى إبادة جيشه بالكامل، فالمعارك غير المتكافئة قد تتسبب في ضياع جيش التحرير. لقد تراجعت قوة حماس وحزب الله، وتدمرت الآلة العسكرية اللبنانية والسورية إلى حد كبير. ومع ذلك، يواصل الحوثيون المنشقون عن الحكومة الشرعية اليمنية خوض صراعات مع الدول الغربية، مما أدى إلى شن المزيد من الهجمات الغربية بقيادة الولايات المتحدة على مناطق مختلفة في اليمن. واليمن، قبل انخراطه في أي حرب، كان يعاني من محدودية الموارد، وقد لا تتمكن حكومته من الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب والدولة والبنية التحتية. وعلى الرغم من ذلك، يمارس الحوثيون المزيد من الاستفزازات التي لن تعود نتائجها إلا على الشعب اليمني نفسه. إن الصراع مع إسرائيل يعني ضمنيًا الصراع مع الولايات المتحدة بسبب دعمها المطلق لها. والمجازفة في الصراعات العسكرية قد تكون لها تداعيات وخيمة، وتتسبب في قتل وتشريد الشعوب. فما هي القدرات الاقتصادية والعسكرية التي يمتلكها الحوثيون لمواجهة الدول العظمى؟ فمقابل كل صاروخ يطلق على إسرائيل، تشن عشرات الهجمات القاسية لتدمير ما تبقى من البنية التحتية اليمنية، مما يؤدي إلى مقتل العشرات من أبناء الشعب اليمني كل يوم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة